لا للإعدام
بقلم الرئيس سليم الحص
السؤال الذي كثيراً ما يطاردني بين الناس هو : لماذا لم أوقع على مراسيم اعدام مجرمين مدانين ؟
المسألة في نهاية التحليل هي مسألة اقتناع شخصي. انني أعتقد أن ليس من حق الإنسان أن ينتزع حياة إنسان. فالله وحده يهب الحياة والله يستردها.
انني لا أستبيح ذبح حيوان، فيكف بقتل إنسان ؟ إن نفسي، كوني نباتياً، لا تتقبل فكرة ذبح نعجة أو بقرة أو فروج لنغني بلحمها أو بلحمه طعامنا. فكيف أتقبل فكرة إنهاء حياة أحد من بني البشر ؟
قيل لي أن حكم الإعدام لا يُنفذ إلا بمرسوم، وأي مرسوم لا يصدر إلا بتوقيع رئيس الوزراء إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية. وقيل أن الراهن أن القانون يبيح حكم الإعدام في لبنان، وأن العفو الخاص في حق أي محكوم أمر ممكن، ولكن العفو الخاص هو من صلاحية رئيس الجمهورية وليس من اختصاص رئيس الوزراء بحسب الدستور. أفلا يعني امتناعي عن التوقيع على المرسوم بالإعدام مخالفة للقانون الذي حكم القاضي بموجبه، ومخالفة للدستور الذي جعل العفو الخاص من اختصاص رئيس الجمهورية من دون رئيس الوزراء ؟
إن جوابي عن هذه التساؤلات هو بكل بساطة : أن الدستور لا يملي على رئيس الوزراء التوقيع على مرسوم إن لم يكن مقتنعاً بمضمونه. ولو لم يكن التوقيع على مرسوم الإعدام خياراً حراً لرئيس الوزراء، أي أنه مخوّل بالتوقيع عليه أو بعدمه، لما قضى القانون بضرورة توقيع رئيس الوزراء على المرسوم أساساً بل لكان قضى بنفاذ أي حكم بمجرد عدم اقترانه بعفو خاص من رئيس الجمهورية. ولا داعي في تلك الحال لمرور الحكم عبر رئيس الوزراء. بعبارة أخرى، إن توقيع رئيس الوزراء ليس خاتماً يهر به أي مرسوم في شكل آلي، وإنما هو خيار لرئيس الوزراء، أو على الأقل هكذا أنظر إليه.
وكثيراً ما يقال لي أن الله حلل في الكتب السماوية اعدام القاتل، فبأي منطق أسمح لنفسي بتحريم حكم الإعدام بمجرم ؟
والجواب هو أنني لم أحرم تنفيذ حكم الإعدام إلى على نفسي. فمع أن ذبح الخراف أيضاً حلال، فإن أكثر الناس لا يستطيعون، أو لا يجيزون لأنفسهم، ذبح خروف بأيديهم. وأنا بالتوقيع على مرسوم بالإعدام أشعر وكأنني في مقام الجلاد، أو ذابح الخروف.
وأقول لمن يطرح هذا السؤال عليّ : إذا قيل لك أنت، وأنت المؤمن بواجب تنفيذ أحكام الإعدام، أن أحداً من الناس محكوم بالإعدام، فهل أنت على استعداد لتنفيذ الحكم بقطع عنقه بيدك ؟ إذا كان الجواب سلبياً، وهذا ما أتوقعه من أكثر الناس، فلماذا تعذر نفسك في الاستنكاف عن تنفيذ حكم اعدام بيد ولا تعذرني إذا استنكفت عن التوقيع على مرسوم بإعدام انسان، ولو كان مجرماً ؟
إلى كل ذلك، فأنا أرى أن أحكام الإعدام في لبنان تُطلق انتقائياً وتنفذ انتقائياً. فإلى الذين يسائلونني عن موقفي من حكم الإعدام، أسائلهم : ألم تسمعوا بمن حُكم بالإعدام ثم حوّلت المحكمة الحكم إلى السجن المؤبد ؟ فلماذا يُنفذ حكم الإعدام بالبعض ولا يُنفذ بالبعض الآخر . لماذا لا تحل عقوبة السجن المؤبد محل عقوبة الإعدام في كل الحالات؟
ثم ألم تسمعوا بمجرمين ارتكبوا أبشع الجرائم خلال الحرب الداخلية اللبنانية، يرتعون اليوم أحراراً طلقاء أما لأن قانون العفو العام شملهم أو لأنهم من ذوي المنزلة التي تطاولها يد القضاء، وبعضهم تسلّق مراكز المسؤولية.
ومن يقول أن عقوبة الإعدام رادعة للجريمة نردّ عليه بملاحظتين : أولاً أن أحكام الإعدام نفذت في لبنان في السنوات الماضية ولم يردع تنفيذها أولئك الذين صدرت في حقهم أحكام اعدام في ما بعد وهم اليوم ينتظرون تنفيذها. وثانياً إن احكام السجن المؤبد يجب أن تكون أيضاً رادعة. ثم إن تجارب المجتمعات التي ألغت عقوبة الإعدام لا تدل على أن هذه العقوبة ضرورة لردع الجريمة.
ولا بد من الإشارة ختاماً إلى أن أكثر من مئة دولة في العالم تُحرّم اليوم حكم الإعدام، والرأي في بقية الدول يتجه تحو إلغاء حكم الإعدام في قوانينها. فعلام هذا الإستغراب لموقفي المبدئي الرافض لحكم الإعدام ؟ ومما يذكر أن منظمة العفو الدولية، في بيان صدر عنها بتاريخ 21 آذار 2000، نوّهت بموقفي صراحة من عقوبة الإعدام وأيدته.
لكل هذه الإعتبارات أشعر براحة الضمير لأنني لم أوقّع على مراسيم الإعدام. ولقد أنفقت في سدة رئاسة الوزراء منذ عام 1976 ما يناهز العشر سنين لم أوقع خلالها على مرسوم بإعدام أحد والحمد لله.
سليم الحص